بودكاست الخشبة المستحيلة، عملٌ درامي صَوتي، يُعالج مجموعةً من قصص المقاومة لمعتـقلين سياسيين في سجن صيدنايا العسكري، بين عامَـي ١٩٨٨ و١٩٩١. اعتـمد العملُ في جانبه التوثيـقي على مقالاتِ وروايات الأساتذة، المعتـقلين السابقين (مالك داغستاني، محمد برو) ومقابلاتٍ تلفزيونية أو إذاعية أو مَكـتوبة، لعددٍ من المعتقلين السابقين (كالمخرج والمعتقل السابق بدر زكريا، والصحافي والمعتقل السابق بسام يوسف).
مسرحٌ، موسيـقى، غـناءٌ، ألـمٌ ومقاومة لكلِّ الظروف اللا-إنسانية: الخشبة المستحيلة رحلةٌ في كفاح البحث عن المعنى الكامن في طَـيات المُعاناة، ومحاولةٌ للتذكير بالمفقودين قسرًا والمُغـيَّـبين ظلمًا عن أهلهم وأحبابهم.
أنجزَ العمل مُنـتـدى المَشرقِ والمَغربِ للشُّؤونِ السِّجنِـيَّـة بدعمٍ من معهدِ العلاقات الخارجية (IFA).
(الضجة النهارية المعتادة وقت الظهيرة في الجناح)
مالك: كأنو اتأخر الغدا اليوم؟
معتقل: عأساس عم ناكل فرايج ولحمة واتأخروا علينا... لك ريتو عمروا ما إجا...
أبو زياد: قوم مالك عجل ساعدني وجيب شبين معك…
مالك: وين وين أبو زياد؟
أبو زياد: الرقيب ثابت بدو ياني انزل استلم الأكل من المطبخ…
مالك: من المطبخ؟ بالعادة بيحطوه على باب الجناح ونحنا منوزعوا عالمهاجع... وين االبلدية ومن إيمتا هي شغلتك؟
أبو زياد: من لما طالعوا عفو عن الفارين من العسكرية... واليوم أفرجوا عنهن... ما ضل حدا يشتغل شغلن…
مالك: ما بيكفي عم ناكل زبالة لأ وعم تنقص كل يوم عن يوم... ولسا بدنا نحنا نعتل...
أبو زياد: هيك بدو الرقيب شو بدي اعمل قوم ساعدني نحمل الأكل.
(يرفع صوته) مالك: شباب مين بيتطوع ينزل معنا مشوار عالمطبخ...؟ تغيير جو يعني.
(فاصل موسيقي)
(ضجة ممرات أصوات أواني مطبخ كبيرة وضجة حراس ومعتقلين وهمهمات)
مالك: أبو زياد شوف شوف هدول جماعة الجناح ب كمان نازلين يحملوا الأكل.
(هامسًا) معتقل: كمان جابوكن لتعتلوا الأكل؟ انتوا من أي جناح؟
أبو زياد: جناح أ...
معتقل: أيوا... جماعة الشيوعيين...
الرقيب ثابت: اسماع ولاه حيوان ما بدي اسمع كلمة، ممنوع الحكي مع غير سجناء... وجهكن عالحيط ليمروا جماعة الجناح التاني...
أبو زياد: خير انشالله معتقل متلي متلو... إذا شفتو منعدي بعض بالأفكار شي؟
(بعدائية يصرخ فيه) الرقيب ثابت: قلتلك اخراس ووجهك عالحيط، العمى بعيونك شو ما بتفهم؟
(يصرخ فيه محتداً) أبو زياد: شو مفكرنا طلاب مدارس ولا لنكون عبيد أهلك وماننا دريانين؟
الرقيب ثابت: وعم ترفع صوتك عليي كمان…
أبو زياد: نزل إيدك... بكسرا إذا بتنمد...
(يقوم هرج حولهما)
الرقيب ثابت: العمى بعيونك شو حيوان.
(هامسًا برجاء) مالك: أبو زياد لفّا خلص... ما بتعرفو جحش؟
أبو زياد: لا حول ولا قوة إلا بالله... وين الأكل لنشيل؟
الرقيب ثابت: هداك هونيك... بلّو برغل وبيدونين لبن... تعا وقعلي عالاستلام…
أبو زياد: لحظة... شو وقعلك... هادا أكل لكم مهجع بالأول؟
الرقيب ثابت: للجناح كلو عندك اعتراض؟
أبو زياد: مية وتسعين واحد كيف بدو يكفيهن ربع بيدون لبن؟ هي أقل من ربع الكمية اللي منستلما بالعادة...
الرقيب ثابت: ربع ولا نص لا تكتر غلبة ها... مو شغلتي هي...
أبو زياد: شغلة مين لكان؟ خيو أنا ما بستلم هادا اللبن... ليك كيف مخلوط مي... شو بحطلن نقطة نقطة لكل واحد؟ حصة السجين مية وخمسين غرام لبن وهيك مكتوب عالسجل تبعك... مين شافط الباقي؟
الرقيب ثابت: يلا اخراس ووقع…
أبو زياد: لا بوقع ولا بستلم... واعميل شو ما بدك... هي سرقة...
الرقيب ثابت: شكلك ما بتفهم وما رح تفهم... يا رقيب إبراهيم... اطلاع معو يجيب فرشتو ونزلو عالمنفردة.
(متلاطفًا) مالك: يا حضرة الرقيب شو عمل لتنزلوه عالزنزانة... هوي رئيس الجناح وواجبو يدقق عالكميات.
(بسخرية وحدة) الرقيب ثابت: شكلك إنت التاني مشتهي النزلة معو.
(موسيقى متوترة)
(صوت طرقات على حديد باب المهاجع في كل مرة يسأل يطرق على أحد الأبواب)
الرقيب ثابت: مابدكن تاكلوااا؟
معتقل: لا... صحتين.
الرقيب ثابت: وانتوا جماعة المهجع الثالث؟
(يصرخ من الداخل) أحدهم: ما بدنا ناكل... طالعوا أبو زياد...
الرقيب ثابت: وانتوا؟
مالك: بتطالعوا أبو زياد من الزنزانة مناكل.
الرقيب ثابت: هيك لكان... الجناح كلو ما بدو ياكل... إي انشالله عمرينكن... رح تاكلوا غير شي على إيدي... افتحلي هالباب لقلك.
(صوت فتح باب أحد المهاجع ثم مباشرةً صوت السياط تنهال على جسد أحدهم )
(يرفع صوته) مالك: لك له له... شبو هادا فلت هوي وزلمو... إيدك عنو…
(يرافق صوت السياط )
(يقطع كلامه بين ضربات السياط بلؤم وعنف) الرقيب ثابت: هيك لكن... عم تأضربو... وعم تعملوا رؤووس... يا حيوانات... اي... بدكن... تاكلوا... وبالصرماية كمان...
(يصرخ من مهجعه المغلق) معتقل: مين... مين عم ينضرب عندكن.
(يرفع صوته ليسمع الآخرين) معتقل: مراد وسمير... ونازلين بابراهيم...
(همهمات ترتفع مع صراخ اثنين ممن يناله الضرب)
(تبدأ نقرة خجولة بقصعة خشبية على حديد باب أحد المهاجع تتطور سريعاً لتصبح أقوى ثم ترافقها ضربات تكثر إلى أن يتحول الصوت إلى طرقات غاضبة نميز بينها صوت الرقيب ثابت يصرخ)
الرقيب ثابت: لك شو عم تعملوا؟ وقفواااا... وقفوااا أو بعدمكن يا كلاب...
(تستمر الطرقات متحديةً)
أحد المعتقلين: ما رح نوقف… ورح نحرق الفرشات ونحرقكن معنا.
(استمرار الصوت العنيف لكنه يصبح أبعد فجأةً لنسمعه من الأسفل)
(يبدو صوت الضربات بعيدًا)
(بقلق) سعيد: شو هادا الصوت؟
(بطريقة تبث الرعب لكنها طريفة كمن فقد عقله) كمال: زالزااال... أخيرًا...أخيرًااا…
سعيد: لك لا هادا قواس.
كمال: لا تخاف هاا...
سعيد: لك له يا زلمي ماني خايف... هوي بس قلبي اللي عم يرجف لحاله...
كمال: من فوق جاي الصوت…
سعيد: قولتك هللئ رح يفوتو ويعدمونا متل ما صار بسجن تدمر؟
كمال: والله الحقيقة... يا ريت...
سعيد: له يا كمال... عنجد يا زلمي؟ ما عاجبتك صحبتي يعني؟
كمال: لك بالعكس... لك متونس فيه خيرات الله... أنا بلاك عقلي بيفقس متل البيضة...
سعيد: لكان شو لكان؟
كمال: خايف يعدموا الشباب فوق وينسونا هون... يعني تحت الأرض شو رح يذكرن فينا.. والله لنعفن أكتر مو معفنين.
(يظهر صوت صراخ أحد المساعدين) مساعد وائل: أبو زياد... علي رحمون... قوم اطلاع بسرعة هدّي الجناح... رفقاتك نازلين خبط عالبواب وعم يهددوا يحرقوا المهاجع.. جيب فرشتك معك... بسرعة شوي... ولا قلك أنا بحملا اطلاع قدامي طلاع بسرعة بسرعة.
أبو زياد: خرجكن... حرامية اللبن... هيك كان بدكن؟
المساعد وائل: طول لسانك قد ما بدك هلق يا ابن الحرام... بس حسابكن بعدين بس يوصل مدير السجن… بسرعة قدامي...
(بامتعاض) سعيد: طلعت شغلة فاضية... ثورة صغيرة...
كمال: انتفاضة الأصدقاء ضد حرامية اللبن.
سعيد: حراك شعبي.
كمال: بكرا بيقولوا حرب أهلية بين الإخوان والشيوعيين.
سعيد: أي إذا ضل منهن المخبر أخي...
كمال: أو حرب طائفية.
سعيد: العمى وهلق؟
كمال: رح ينسونا هون... لا رحنا لا إعدام ولا إفراج… افردلي شي قصيدة من راسك بسرعة خلينا ننسى بوادر هالأمل اللي لاحت من شوي... العمى شوية أمل وكنا رحنا فيها.
سعيد: كيف لو اتعرضنا للأمل بحد ذاتو؟
كمال: مخيف كتير، وليي شو مخيف، رعب يا زلمة، من شو بيشتكي الرضا... القبول... لك اليأس...
سعيد: حلوين كتير... خلينا عليهن أخي... خلينا.
(موسيقى تمهيدية للحدث القادم )
(الضجة النهارية)
(لاهثًا وقد جاء من بعيد راكضًا) مالك: أبو زياد... قوم... وصل بركات العش ومعو الرقباء وجايبين رشاشات... شكلا خربت… قوموا شباب...
(صوت فتح أبواب حديدية للمهاجع وخطوات منتظمة سريعة)
(يصرخ فيهم) الرقيب ثابت: يلا الكل اطلعوا عالممر وانصفطوا حد بعض ووجهكن عالحيط... يلاااا ولاك وجهك عالحيط...
(مقتربًا مستنفرًا) بركات العش: شوفي... شو صاير؟
الرقيب ثابت: سيدي طلبت من الموقوف يدير وجهو للحيط وما اتجاوب.
بركات العش: وليش ما حطيتلو طلقة ببطنو ولاك؟
أبو زياد: كذاب... عم يسرقوالنا مخصصاتنا وبدهن نوقعلهن عن الاستلام...
بركات العش: ومين انت ولاك لترفع صوتك قدامي ها؟
مالك: هادا رئيس الجناح ... وانتوا عم تجوعونا... كان يطلعلنا ثلاث ارغفة وما يكفو... صرلكن تلات شهور بتعطونا رغيفين قد ربع هدوك… واليوم كان اللبن مخلوط مي وطاير تلات ارباعو... ونحنا ما بيطلعلنا زيارات فما عنا غير أكل السجن... يا افتحولنا الزيارات يا رجعولنا مخصصاتنا...
بركات العش: ليك ليك وما تشارطوا كمان؟ زيارات أفي... وعندي هون سؤال محوري هيكي... إنتوا شايفين بقرات أمي عم يرعوا هون وما جبتلكن لبن؟
أبو زياد: رجعولنا مخصصاتنا وأدّب رقبائك... واشرحلن إنو نحنا ماننا ولاد شوارع ومواخير... نحنا ولاد عالم وناس ومتعلمين أكتر منك ومن زلمك... وإذا ما انحلت هي الشغلة رح نكتب لإدارة السجون العامة المسؤولة عن اعتقالنا ونشرحلن السرقات اللي عم تصير.
(يضحك بتهكم) بركات العش: متعلمين قلتلي يا تافه يا عدو الوطن... والله بصرمايتي بدي بلعكن الأكل... بصرمايتي.
(ثم متوعداً) بركات العش: هلق بتضبو غراضكن وعلى تدمر يا كلاب يا حيوانات... الجناح كلو يلا لشوف...
(يعم الصمت للحظة ثم متراجعًا) بركات العش: ولاّ قلكن شو... فضولي خمس مهاجع من العشرة... وبوجهكن على جناح الإخوان... (محتدًا) شوفو ولاك انتي وياه... يا بتصيروا إخوان يا بيصيروا هني شيوعيين وانشالله بتاكلو بعضكن... يلاااا... رح تناموا اليوم مع حبايبكن أعداء الثورة والوطن... لكان بدكن لبن؟ إي اشبعوا لبن لقلكن...
(موسيقى الشارة)