بودكاست الخشبة المستحيلة، عملٌ درامي صَوتي، يُعالج مجموعةً من قصص المقاومة لمعتـقلين سياسيين في سجن صيدنايا العسكري، بين عامَـي ١٩٨٨ و١٩٩١. اعتـمد العملُ في جانبه التوثيـقي على مقالاتِ وروايات الأساتذة، المعتـقلين السابقين (مالك داغستاني، محمد برو) ومقابلاتٍ تلفزيونية أو إذاعية أو مَكـتوبة، لعددٍ من المعتقلين السابقين (كالمخرج والمعتقل السابق بدر زكريا، والصحافي والمعتقل السابق بسام يوسف).
مسرحٌ، موسيـقى، غـناءٌ، ألـمٌ ومقاومة لكلِّ الظروف اللا-إنسانية: الخشبة المستحيلة رحلةٌ في كفاح البحث عن المعنى الكامن في طَـيات المُعاناة، ومحاولةٌ للتذكير بالمفقودين قسرًا والمُغـيَّـبين ظلمًا عن أهلهم وأحبابهم.
أنجزَ العمل مُنـتـدى المَشرقِ والمَغربِ للشُّؤونِ السِّجنِـيَّـة بدعمٍ من معهدِ العلاقات الخارجية (IFA).
(هدوء لا يشوبه سوى صوت شخير بدر المتقطع وغطيط بعض المعتقلين وصرار الليل إلى أن يظهر صوت بدر)
(فجاةً كأنه ينتفض من نومه) بدر: لقيتا... لقيتا…
(مقتربًا من كريم يوقظه بحذر وإلحاح) بدر: كريم… كريم قوم وقف لشوف.
(مذعورًا) كريم: ها... شوفي؟! شو صار؟!
بدر: وطي صوتك وقوم على حيلك…
كريم: والله رعبتني يا زلمة شو بدك فيني؟ شو هي البطانية؟
(بشغف وسعادة) بدر: عرفت كيف رح يكون زي كاهنة معبد دلفي... هلق شفتو بمنامي... منلف البطانية عليك هيك… احفظها لهي الطريقة منيح مشان تفرجيها للشباب بالبروفة.. ومنجيب الزاوية لفوق راسك وبدنا شي جطل (سطل) نثبتها… فرجيني... ابروم هيك… الله... هي هيي.. كاهنة معبد دلفي... بديع!! جميييل!!
كريم: بحياة ربك مصحيني تلبسني بطانية؟ هلق وقت أزياءك المسرحية… بشرفي إذا انقطع نسلي بيكون بسببك.
أصوات متعددة: نام بدر نام… الصباح رباح... روحتو للزلمة!!
(صياح السجان مترافقًا مع صوت ضرب الهراوة على قضبان الباب)
(مهدداً) الرقيب ثابت: مين عم يعيط هون ياكلاب... يلا ع النوم.
(فاصل موسيقي)
(بهدوء) بدر: ليك... السجن كيف بدي قلك؟ متل إذا مركب بتمك جسر خزف جديد… أول يومين تلاتة بتلاقي لسانك جانن وفلتان جوا عم يتعرف على هالجسم الغريب… بعد كام يوم بتتعود وبيتعود لسانك عليه وبتصيروا عايشين مع بعض كأنو ما في شي... وعلى شوي بيصير ما فيك تعيش بدونو…
كريم: خلص يا بدر اتركو بحالو للشب... قلك ما بدو يتعاطى مسرح.
(موبخًا) بدر: انضب كريم… (ثم لعلي) إي أخي علي ركز معي… السجن هيك تمامًا بس بالعكس يعني من جوا لبرا… إنت الجسر الخزف... وتمك هوي السجن ولسانك هوي روحك اللي قلقانة وخايفة من الوضع الجديد.
(بانزعاج واضح صوته يافع يدل على أنه في التاسعة عشرة يبدو متألمًا) علي: آآآخ... دكتور سنان حضرتك؟
(يغني ممازحًا) بدر: حكيم عيون وافهم في العين.
(لايتمالك نفسه عن الضحك رغم ألمه) علي: لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم.
(بمرح) بدر: إي هه فرجينا هالمبسم الحلو... وهلق صرت جاهز تتعرف عليي… بيقولولي بدر مسرح، معتقل رأي من سنتين ومخرج مسرحي صاعد... صاحب نظرية الجسر المقلوب، وإنت رح تكون ضمن طاقم الفنيين بمسرحيتنا الجديدة كونك كنت عم تدرس هندسة.
(متألمًا) علي: مسرحية شو؟ يستر على عرضك شايفني لقيان؟ بعدين أنا لساتني سنة تانية… لك عمي عندك عشرين مهندس بالجناح شو بدك فيني؟
(يقولها قاصداً بالفصحى بين المزاح والسخرية) بدر: بدي قلة خبرتك وبراءتك الهندسية… وكمان خصوصية المسرح بتفترض الحاجة الدائمة للدماء الشابة…
(منزعجًا يناديه من بعيد) كريم: خلص يا بدر عيفو للشب… مو شايف رجليه.. آكل فلق ليوم الفلق وانت عم تحكيه عن الدماء الشابة.
(مصرًا يرفع صوته ليجيب كريم) بدر: ماني عايفو ليقول إي… مو شايف حالتو؟ لازملو نفضة وغير هيك ما بيطيب... بعدين فيه يشتغل عالقاعد... مطلوب يعمللنا سينوغرافيا بمعية الشباب… أكيد فيه يفيدنا عالقاعد… دردشة وأفكار يعني.
علي: يعني إذا قلتلك إي بتحل عني لبكرا؟
(بطريقة مسرحية مفخمة ممازحة) بدر: وبكرا كمان بخليك تقول إي وبحل عنك لبعد بكرا… وهيك بتضلك مشغول بإنك تحللني عنك ليصير وقت اجتماعك مع الفنيين... شو قلت؟
(بعد لحظة تردد يقولها متململًا يريد الانتهاء) علي: طيب خلص… إي إي.
(يرفع صوته ليسمع الجميع) بدر: شباب بتمنى ترحبو معي بعلي أصغر عناصر العمل... والمستجد بجناحنا... زلغوطة خليل لو سمحت.
كريم: لا أوعك خليل هلق بيجينا المساعد وائل وغير ربك ما بيعرف براس مين رح تطلع اليوم.
(ثلاث طرقات بهراوة على الباب المعدني للجناح وصوت المساعد وائل من الخارج)
المساعد وائل: تفقد.
(فاصل موسيقي)
(هامسًا بحرقة وإحباط) بدر: خلص لا تضوج… ما عم لومك... بعرف مو بإيدك... أنا بس زعلان على تعب الشباب... صرلن شهرين بيجمعوا فيهن من بواكيت الدخان والملصقات اللي عالعلب.
كريم: يعني هالإبن الحرام المساعد وائل كيف شافن ما عرفت... وما أظنلك حدا فاسد علينا…
بدر: ما حدا بيعملا الشباب كلن قلبن معنا… بس لو سمعت مني وحطيتن تحت الفرشة ما كان شافن ولا كان خزقن… العمى كان عليهن كل الملاحظات شغل شهور هاد.
(صوت عزف عود كأن أحدهم يتدرب على العزف وليس محترفًا والصوت يأتي من غرفة أخرى)
(هامسًا) كريم: تعرف شو؟ عم فكر سجل بدورة العود مع الشباب... أربع ساعات باليوم واحجز عليهن العود بلكي بيصير شوية صمت رح يقفعوا راسنا يا زلمة!! كيف لو كان عود عن حق وحقيقي؟
(مع استمرار صوت العزف المتقطع البعيد)
حوارات في الخلفية:
سجين ١: خليك متذكر هي الفكرة راجعلك…
سجين٢: لا تطول… كاستك لسا جديدة.
(فاصل موسيقي)
(ضجيج السجناء وأصوات الأبواب يوحي بوقت نهاري )
(بحنق) أبو محجوب: شوفوا عمي... مزاجي مضروب والدنيا زنطاري وماني طالع من تحت الغطا مشان تتسلو حضرتكن... روحو العبو بعيد يلا يلاا…
بدر: لك ليش هيك يا بومحجوب؟ لما عملنا البرنامج وافقتو كلكن واليوم دور مهجعكن يفضيلنا للبروفة هالكم ساعة.
أبومجحوب: بلا بروفة بلا بطيخ… وخمس ساعات وين بدي التحش أنا؟ ماني قايم من فرشتي… عايف حالي من الصبح لا تكملوها عليي الله يرضى عليكن
بدر: استاذ مالك احكيلك كلمتين معو… والله مشان الكل عاملين هالمسرحية.
أبومحجوب: لا كلمة ولا تنتين.. صرلكن تلات شهور بروفات وما شفنا شي... ماني قايم دبروا حالكن وهه.
(ممتعضًا ساخرًا) بدر: إي انزال تحت الغطا أكتر أكتر... اتدفى اتدفى.
(محتجًا) كريم: والعمل هلق؟ يعني فرشتو جايي مطرح ما رح يوقف خليل.
(يتنهد مترددًا ثم بعد لحظة) بدر: قلك شي؟ مارح نخرب البروفة مشان مزاج حدا.. شوفو شو الفكرة… جايي الفرشة مطرح سويفت اللي هوي خليل، وأصلًا دوره صامت وما بيتحرك رح نعتبر أبو محجوب هوي سويفت.. ونشتغل حواليه وخليه عم يتدفي تحت الغطا.... وانت خليل من غير شي مكرب فارتاح اليوم... يلا شرفو.. بلشنا… المنصة هيي فرشة أبومحجوب سويفت... اشتهيتلك هالتدليعة أبو محجوب... انشالله تكون على خاطرك.
(صوت يوحي بمناخ المنفردات الصوتي... هدوء ونبضات وأصوات متفرقة للفئران)
(متحمسًا) كمال: عيدا عيدا بشرفك…
سعيد: مُتاح... مَتاااااح…
كمال: بتجنن... لك جاييك الوحي اليوم... مُتاح... شفت الضمة عالحاء شو عاملة بالمعنى؟ مع إنو وزن هالكلمة ما بيوحيلك بمعناها... بتحسو هيك صفة لمفعول به... بس على كيفو كمان، انتهاك بالتراضي، متاااح... الفاعل مجهول بس مين فارقة معو... فيه يكون مين ما بدو لانو ليش يا حزرك؟
سعيد: لأنو متاااح…
كمال: متاح أصلًا يعمل شو ما بدو والمتاح بدو وما بدو، آخد وضعية اللي بدو وغصب عنو... الله الله…
سعيد: متاح.. متاح... رح ضل عيدا بلكي بيهرّوا حيطان هالمنفردات قبل ما نعفن أنا وانت، قول معي... متاااااح…
معاً: متاااااح.
(فاصل موسيقي)
(زاجرًا بطريقة مسرحية) كريم: بعد انتهائك من الأكل.. تغسِلُ القصعةَ وأرض الزنزانة... لن أسمح لك بالفوضى بعد الآن... ستُجلَد على كُلّ قَشّةٍ تخلِّفها
بدر: الأوساخ يخلفها الزوار ولست أنا…
كريم: لن يزورك أحدٌ بعد الآن... هل فهمت؟ هذا سجن وليس مسرحًا.
بدر: تمام التمام... يعطيكن العافية يا شباب... صرلنا خمس ساعات واشتغلنا كلنا اليوم بجدية…
(ثم لأبو محجوب بلطف ومناكدة) بدر: ولا تواخذنا عمي أبو محجوب... طولنا عليك.
(بغصة) أبو محجوب: إنتو اللي لا تواخذوني دخيلكن... لك خدوا المهجع خدوا فرشتي خدوا تيابي خدوا عيوني على هالأداء... بعتذر منكن عمي... مافكرت إنكن تعيبة وجديين كل هالقد... وعد مني ما بقى دايقكن ولا خلي حدا يدايقكن…
بدر: لا تعتذر عمي.. وانشالله نكون سليناك... أحلى أبو محجوب سويفت...
(بمرح ومناكدة) أبومحجوب: يعني هلق هيك صار لبقي... إيه شو عليه... (بصعوبة) بس مين سوي ييفت؟
(موسيقى الشارة)