بودكاست الخشبة المستحيلة، عملٌ درامي صَوتي، يُعالج مجموعةً من قصص المقاومة لمعتـقلين سياسيين في سجن صيدنايا العسكري، بين عامَـي ١٩٨٨ و١٩٩١. اعتـمد العملُ في جانبه التوثيـقي على مقالاتِ وروايات الأساتذة، المعتـقلين السابقين (مالك داغستاني، محمد برو) ومقابلاتٍ تلفزيونية أو إذاعية أو مَكـتوبة، لعددٍ من المعتقلين السابقين (كالمخرج والمعتقل السابق بدر زكريا، والصحافي والمعتقل السابق بسام يوسف).
مسرحٌ، موسيـقى، غـناءٌ، ألـمٌ ومقاومة لكلِّ الظروف اللا-إنسانية: الخشبة المستحيلة رحلةٌ في كفاح البحث عن المعنى الكامن في طَـيات المُعاناة، ومحاولةٌ للتذكير بالمفقودين قسرًا والمُغـيَّـبين ظلمًا عن أهلهم وأحبابهم.
أنجزَ العمل مُنـتـدى المَشرقِ والمَغربِ للشُّؤونِ السِّجنِـيَّـة بدعمٍ من معهدِ العلاقات الخارجية (IFA).
(يبدو منزعجًا ولا يستطيع التركيز) بدر: فكرةٌ غبية... لماذا توجع رأسك بأمور حدثت في الماضي البعيد؟ ألا تكفيكم مشاكلم؟
خليل: هناك مشاكل أبدية تهم الناس دائماً… ولفهم هذه المشاكل... ليس من الخطأ تذكر ما حدث...(يحتج فجأة وبلغته العامية شاكيًا) بدر... والله حرام هيك... ما عم اعرف حط حالي بالجو...
بدر: روق خليل روق... قايم احكي معهن...
(صوت خطوات بدر باتجاه مصدر الصوت الإذاعي الذي يتضح أكثر مع اقترابه)
بدر: يا حسن بشرفك طفي هالراديو... مشوشين علينا وما عم نعرف نركز عالنص... كل ما نجي نشتغل مسوية السبت بتحطولنا هادا البرنامج، بتطير الأفكار من راسنا...
حسن: طيب استاذي ما في قرنة تانية أو توقيت تاني لشغلكن؟ نحنا بدنا نسمع أبناؤنا في العالم وهيي هالساعة كل أسبوع
بدر: هوي هادا اللي ما عم افهمو... من إيمتا بتعجبكن إذاعة دمشق؟ ما بيكفي خطابات الرئيس اللي بيضلوا إدارة السجن ناقبين راسنا فيها؟ ناطرين حدا بالمغترب؟ ولا مستحلي صوت المذيعة؟
(بشيء من التحاذق) حسن: هوي بصراحة المذيعة صوتا ما إشبو شي... كويسة يعني... بس نحنا بدنا نسمع الرسائل الصوتية... بلكي...
مالك: عيفن بدر... تعا معي أنا بشرحلك...
(خطوات مالك تقترب من مركز الحدث)
بدر: جيت... شرف اشرحلي... في سرْ يعني؟
(يبتعدون عن صوت البرنامج)
مالك: هيك شي... خيو... هدول حسن وحسين متل حكايتنا ممنوعين من الزيارات وما بيعرفو شي عن أهلن.. ولا أهلن بيعرفو عنهن شي.. صرلن سنين.
بدر: يعني صوت المذيعة بيذكرن بأمن؟
مالك: لا... أعقد من هيك الموضوع... هدول متعرفين على واحد منزار بالمهجع ستة... تيسير عرفتو؟ وبعتوا معو رسالة يعطيها لأبوه من كم شهر لما زارو... مشان أبوه يوصلا لأهلن... وكتبوا لأمهن بهالرسالة انها تتصل بالبرنامج تخبرهن أخبار إخواتن ويسمعوا صوتا...
بدر: لا هيك كتير معقدة... كيف مرّقوا الرسالة إذا في تفتيش ومراقبة عالزيارات؟ شو هالحكي؟
مالك: غير ربك ما بيعرف كيف نفدوا من الحراس.. وهدول الشباب الأخين لما أخدوهن على سجن تدمر كانوا مراهقين صغار... أمن ما بتعرف إذا طيبين ولا ميتين.. وتيسير وكّل أبوه يتواصل مع الأم لحتى يخبرا عنهن ووين هني وإنهن عايشين بعد هالسنين ويعطيها الرسالة.. وإذا زبطت الخطة وعرفت الأم تتواصل مع البرنامج ممكن... ممكن يكون في فرصة يسمعوا صوتا..(يتوقف ثم مستغربًا) شبك بدر ليش خنّقت؟
بدر: حرقتلي قلبي عليهن وعلينا.. كيف بدك ياني ما خنّق؟
مالك: لك هيي محاولة... إذا زبطت بيصير إلنا شباك صغير على أهالينا وعيلنا... متخيل تزبط؟
بدر: كتير صعبة… وبدها نطرة…
مالك: بس مو مستحيلة ما؟
بدر: لا مو مستحيلة... تعا معي تعا...
(معلنًا بطريقته المسرحية) بدر: يا شباب... مسرح وبروفات السبت المسا ما عاد عنا... منعوضن الأحد بعد الضهر شي منخلص شطف... عُلِم؟
(مبتهجًا) حسن: عُلم ونص... حدا يسترجي يقول لأ.. يحيا بدر مسرح... زعيم الحركة المسرحية النهضوية، الثقافية في الجناح وسائر أرجاء السجن… لك بشرفي لأنضم للفرقة إذا بيصير اللي ببالي...
بحماس) بدر: وهلق علّولنا صوت أمل دكاك خلينا نتمسى برسائل المغتربين والمغتربات… وأحلى ابريق شاي جماعي للكل من تحت دياتي.. وسمعونا أبناؤنا في العالم.
(يعلو ويستمر صوت البرنامج)
(فاصل موسيقي)
(صوت يوحي بمناخ المنفردات الصوتي... هدوء ونبضات وأصوات متفرقة للفئران)
كمال: لك سمعت؟ عم يعملو مسرحية فوق بالجناح... هادا الشب اللي جابوه مبارح على المنفردة على يميني هلق خبرني قبل ما يرجعوا ياخدوه عالمشفى العسكري...
سعيد: مين الحراس عم يعملو مسرحية؟
كمال: لالا... المعتقلين... رفقاتنا... بدر عامل شلة مسرح ولامم هالعالم
سعيد: إي وإنت شو عم تحس؟... حسد وديقة عين... ولا استنكار؟
كمال: لك والله لاهيك ولا هيك...
سعيد: لكان شو مشكلتك؟
كمال: يا أخي ماني فهمان شو بدن.
سعيد: يا عمي اعتبرو فعل مقاومة... أووو تحالف مع الحياة ضد السجان... تعبير أقصى عن الرفض للواقع…
كمال: بشرفي إنك فهيم... بس لمعلوماتك ها بعرفن هدول.. اللي مو فهمانو ليش اختاروا المسرح؟
سعيد: خيو... سمعان بالمحاكاة؟ هي رغبة ناتجة عن كترة غلبة... كترة الغلبة هي هيي اللي بتخلي البني آدم يحب يعيد ويزيد بنفس القصة اللي صارت وخلصت ها... ويتمثلا ويفتق فيها ويفهما ويمثلا... ويراقب حالو وهوي عم يعيدا ليقول عبرة معينة بدل ما يقول الفكرة ببساطة متل ما منعمل أنا وإنتي ومن الآخر...
كمال: أي كمان ما اقتنعت... يعني شو هالإخلاص اللي بيخليهن يتعذبو ليعملوا مسرحية.. تدريب وبروفات ولافي ورق يكتبوا ولا في نص ولا في شي بالدني... قال شو ثائر اتذكرلن مسرحية كان ترجما قبل ما يعتقلوه... والله عصرلن ياها عصر من راس.
سعيد: إي هدول اللي بيحبو المسرح... دروايش ومخلصين كتير متلنا أنا واياك يعني...
كمال: لا تغلط أخي... نحنا براغماتية... وسفهاء... عم نحافظ على اللغة وعلى سلامتنا العقلية بضربة وحدة... هيك انت بتكون عم تخربلنا المهمة تبعنا ها...
سعيد: آ؟ اي صح.. تماماً.. طيب هاتلك وحدة بالمناسبة تكون صرلا هيك زمان ما مرقت علينا.
كمال: مممم معناته يا سيدي رح دورلك على وحدة طعمتا طيبة... مممم... لقيتا... الأناة…
سعيد: الله... الأنااااة... طيب هات اشرحلنا ياها بهيك أطول طريقة ممكنة يعني بأناة وتأني... خلينا نتهنى فيها...
(فاصل موسيقي)
بدر: وبلكي راقبو التلفونات؟ يعني بلكي أهلك اتصلوا عالبرنامج وغلطوا بشي كلمة وانعرف مين هني... وإنو ولادن بصيدنانا مو برا البلد؟
(منفعلًا) حسن: قلتلك أمي رح تستخدم اسم مو حقيقي وهمي وتقول إننا بفرنسا... شبك يا زلمة... من غير شي الواحد قلبو عم يرجف... يعني هوي شقفة برنامج إذاعي بدن يراقبوا كل العالم وتلفوناتن؟
بدر: لا تضوج حسن... أنا بس عم فكر معك... متدايق عليك... صرلك شهرين إنت وأخوك ملطوعين حد هالراديو... بعدين مين قلك ما بيراقبو كل الشعب... نسيان كيف انمسكنا؟ كيف صرنا هون؟ مو من ورا المخبرين والأمن وفسديات العالم والمراقبة؟
(بقهر) حسن: بدر... رح تجلطني ها... سمّعنا وحاج سيناريوهات...
المذيعة: من السيدة أم حسن لابنها في المغترب.
أم حسن: مسا الخير... اسمي فتحية الخطيب... وبدي ابعت رسالة لولادي حسن وحسين... اللي عم يدرسوا بفرنسا… يا ماما… اشتقتلكن ( تبكي وهي تتكلم) اشتقتلكن كتير... يا حبيباتي إنتو وزينة عمري... يا رب تكونو بخير... وشوفكن عن قريب يا روحي انتوا... أبوكن... أبوكن بيسلم عليكن كتير... اختكن نجلاء صار عندا تلات ولاد وأخوكن الصغير اتخرج مهندس السنة الماضية... نحنا مناح يا أمي ومو ناقصنا غير شوفتكن بخير... عملتلكن كنزتين صوف وبعتتن مع أبو تيسير... وصلوكن؟ كل يوم بفكر فيكن... ومارح ارتاح لضمكن... وبشكر الله إنكن سالمين... (تجهش بالبكاء وينقطع صوتها)
(صوت المذيعة )
المذيعة: تحية مليئة بالشوق والمحبة للسيدة أم حسن، وجميع أمهات سوريا عبر أثير إذاعة دمشق لكل أبناءنا المغتربين، سوريا الأم تناديكم.
(فاصل موسيقي)
(صوت يوحي بمناخ المنفردات الصوتي... هدوء ونبضات وأصوات متفرقة للفئران)
كمال: التحفظ.
سعيد: عفوا؟
كمال: التحفظ...
سعيد: أقصى الخطايا برأيي...
كمال: هاي فيها صدّ وشوي سلطة مع خوف وامتناع حط معها عيوب ع تجني ع أحكام مسبقة ع ترفع وحياء.
سعيد: الله الله... معقدة المسألة... عجوز وحيد ندمان.
كمال: على مين ندمان؟
سعيد: على ليلى...
كمال: اش معنى ليلى؟
سعيد: كل الليلات حلوات... معشوقات... مدللات وما فيك تحصل عليهن وبيضلوا يكتبوا فيهن شعر…
كمال: هاي خلطة مثالية لذكرى حب من طرف واحد... ليلى بحياتها ما عرفت أبدًا إنو كان يحبها...
سعيد: والعاشق كان متحفظ لما كان شب... وهلق عم يموت عجوز وحيد ندمان... غرقان بالذنب
وحاطط الحق على الخجل المتوارث والتقاليد مو على التحفظ الزايد.
كمال: أهااا... طيب وليلى؟
سعيد: سمنت كتير بعد ما جابت خامس ولاد من إبن الدكنجي... بس ضلت حلوة وتضحك كتير... وضلت جارتو…
كمال: أي لا يا سيدي السجن أرحم لكن...
(فاصل موسيقي)
حسن: شبو بدر؟ ما قام من فرشتو... صاير شي؟
مالك: مبارح طلعت أم رفيقو عالبرنامج... وبعتتلو رسالة...
حسن: إي مبروك... وليش زعلان اتطلع عليه شكلو ما بيتفسر.
مالك: هادا رفيقو انعدم بتدمر من كم سنة بس أمو ما بتعرف... سمعت عم يبعتو رسائل عالبرنامج قالت لحالها بلكي ابنا يسمعها…
حسن: له له يا بدر...
مالك: ومشان تكمل ذكرت اسم بدر قالتلو رفيقك بالمسرح بدر... وذكرت تاريخ اعتقالو على إنو تاريخ سفرو على ألمانيا... هيك عرف بدر إنو هادا رفيقو... وهي أم رفيقو.
حسن: له له على حرقة هالقلب… هي ما كنا حاسبين حسابها... رايح اقعد معو بيكون محتاج يحكي ويفضي شوي...
ابراهيم: حسيتلك جماعة هالبرنامج يا جدبان يا عم يجدبوها... يعني ما عم يبين معهن إنو هالأم اللي عم تطلع وتقول إنو إبنا صرلو سنة مسافر بعثة ونازل تبكي وتخبرو أخبار عمرا عشر سنين... مو مبين أي إنها أم معتقل؟
كريم: حتى لو مبين... بظن بعد كل هالوقت أكيد الأمن شمو خبر... بس تاركين الناس تطلع وتحكي وهني عم يراقبو أهالي هالمعتقلين... مو عرفانين إنو حفظنا وسائلهن... وما عاد نغلط متل قبل...
ابراهيم: وهي المذيعة ما فهمت شو القصة لهلق؟ تلات ارباع الاتصالات والرسائل الصوتية صارت إلنا وكلها بكي وتواصي...
كريم: سيدي يكتر خيرن بكل الأحوال... ويكتر خيرنا عبينالهن البرنامج رسائل صوتية.. ويكتر خير اللي اخترع هالطريقة.. ردت الروح بنص المساجين..
ابراهيم: والنص التاني؟
كريم: بيجي دورهن انشالله... الله كريم...
(بقهر) خليل: ما في احتمال تالت... يا ميت يا متبري مني... أمي وبعرفا… ما جابت سيرتو عالخالص...
(يهون عليه) علي: لك بتعرف عالهوا ومقطوع قلبا بتكون... أكيد عاللبكة نسيت تخبرك عن أبوك.
(محتدًا) خليل: لا... أمي وبعرفا... بكل فاصلة بتدحش رأيو وشو قال... وشو ارتأى... صايرة المدير التنفيذي تبعو يعني.. (مؤاخذًا نفسه) ليك شو عم إحكي؟ بس ما يكون صايرلو شي أو ميت بغيابي... العمى كيف بدي أعرف؟ والله رح جن ما نمت الليل.
علي: بتعرف؟ إلا ما يجيك خبر بعد شوي... لك وقول الحمد لله اتطمنت عليك واتطمنت عليها... شو بيحكوا اللي بالزنازين لا بيعرفوا شو انفتحتلنا طاقات.. ولا نحنا منعرف عنهن طيبين ولا ميتين... قول الحمد لله...
(بأسى) خليل: الحمد لله... الحمد لله...
(موسيقى الشارة)