بودكاست الخشبة المستحيلة، عملٌ درامي صَوتي، يُعالج مجموعةً من قصص المقاومة لمعتـقلين سياسيين في سجن صيدنايا العسكري، بين عامَـي ١٩٨٨ و١٩٩١. اعتـمد العملُ في جانبه التوثيـقي على مقالاتِ وروايات الأساتذة، المعتـقلين السابقين (مالك داغستاني، محمد برو) ومقابلاتٍ تلفزيونية أو إذاعية أو مَكـتوبة، لعددٍ من المعتقلين السابقين (كالمخرج والمعتقل السابق بدر زكريا، والصحافي والمعتقل السابق بسام يوسف).
مسرحٌ، موسيـقى، غـناءٌ، ألـمٌ ومقاومة لكلِّ الظروف اللا-إنسانية: الخشبة المستحيلة رحلةٌ في كفاح البحث عن المعنى الكامن في طَـيات المُعاناة، ومحاولةٌ للتذكير بالمفقودين قسرًا والمُغـيَّـبين ظلمًا عن أهلهم وأحبابهم.
أنجزَ العمل مُنـتـدى المَشرقِ والمَغربِ للشُّؤونِ السِّجنِـيَّـة بدعمٍ من معهدِ العلاقات الخارجية (IFA).
عارف: بس صوتو ضعيف... يعني ما إلو رنة ورهبة العود... ما قنعني خيو... بعمرك شفت عود مستطيل؟
مالك: كيف بدك صوتو مايطلع ضعيف... عم قلك الأوتار خيطان منسولة من جوارب وبطانيات... والمفاتيح عواد برتقان... والقصعة مطبقية ملوخية جابوها أهلو لابراهيم من شهرين إي يكتر خيرو اللي عم يطالع صوت...
عارف: مو هيك مو هيك... ما فهمت عليي... مو معبيلي مخي المبدأ... يعني كل هالعذاب شهور لاخترع أسعد هالعود... لشو؟ شو هالرغبة بإنك تطالع أصوات من شي ملزق ومرقع ترقيع... مو شايف فيها كترة غلبة؟ العزف نفسو بهيك وضع عم حسو تفتيق ورفاهية...
مالك: شبك يا زلمة رح تخليني غير رأيي فيك ها... الموسيقا حاجة متلا متل الأكل والتنفس... بشر نحنا ولسا بهالوضع نحنا أحوج ما يكون لأي شي فيه حياة.. يمكن أنا وانت ما نفهم شو الله متعبو لأسعد لحاطط راسو براس هالعود... بس يعني... ما عم تحب لما بالسهرة ويكون هدوء ويطلعلو بشي غنية أو موال؟ ما عم يهزك النغم؟
عارف: طبعاً بيهزني... هون المشكلة... أنا مو ناقص هزّ... خلقة الله عايف حالي... بعدين يا أخي بفهم الموسيقى حاجة... بس كمان هوي مزودا.. ما؟ بتحس فيه شرش جنان هادا أسعد.. ليك اتطلع عليه كيف نازل دبك لحالو متل الهبلان... تقولي طالع إفراج... شو باسطو عند هالصبح؟
مالك: ليش ما دريت؟ وصلوا الأوتار اليوم وعم يركبوهن... وخلصوا دوزان...
عارف: كمان؟ خود على هالسيرة... لك بس بدي إفهم... إنو هني بيشتروا وجع القلب مشترا؟ مو من فترة... عالتفتيش لقطوا العود تبعو لابراهيم وطبشوه قدام عيونو وانحرق قلبو... ؟ وقضا شهر بالمنفردة بهالسقعة لطلع هوي وعباية فيصل الجديدة متل اللي عالكهن كلب؟ يعني لشو حرقة هالقلب؟ رجعو يعملو عود تاني؟ شو بيضمنلن ما ينلقطو؟
مالك: وشو بدك ياهن يعملو عبين ما ينلقطو؟ يقعدو عاقلين؟ يتصفنوا بخلقة بعض متلك ومتل هالحيط؟
عارف: لا خليهن عم يخترعو؟ هدوك فاتحينلي بروفات مسرح وبيتصرفو كأنهن نجوم سينما... وبينطوا من مهجع لمهجع ولابسين متل المجانين الرومان… وهادا ناطر سحاحير الخضرة وشو بيتاخد منها خشبات وخيوط ومدري أيش... لا وكلو كوم وهداك كوم... حاططلي نبريج حمام بتمو ونازل تزمير مفكرين حالن رح يفتحو معهد موسيقي بالسجن... إي وهبل...
مالك: فكرك مزح؟ ليش ما قريت الإعلان بالممر؟ مفكر كل هالعجقة اليوم لله بالله؟
عارف: إعلان شو؟
مالك: أسعد مبارح علق ورقة تبع باكيت دخان فيها إعلان رسمي عن افتتاح دورات موسيقا... عود وصولفيج وعزف...
عارف: ورقص شرقي؟ ما في رقص شرقي؟ العمى على هالخبرية عند هالصبح شو قلبولنا السجن عصفورية؟
(تتسلل إلى نهاية المسمع ضربات عود كأنما يحاول أحدهم دوزنة عود، ثم ما يلبث صوت التنشيز أن يتحول إلى مقطوعة على مقام الصبا )
(صوت يوحي بمناخ المنفردات الصوتي... هدوء ونبضات وأصوات متفرقة للفئران)
(كأنهما في مسابقة) كمال: خيار بلبن.
سعيد: دبس بطحينة.
كمال: جبنة وبطيخ.
سعيد: الله الله عالثنائيات المتكاملة..
كمال: خبز وزيت.
سعيد: زيت وثوم.
كمال: مربى وجبنة.
سعيد: زبدة وشنكليش.
كمال: ممم مكدوس وعنب.
سعيد: العمى ما بعرفا هي.
كمال: طبعاً مو مشهورة كتير بس منطقية.
سعيد: من وينلا المنطق يا زلمة؟
كمال: هاد يا سيدي بيجهز المكدوس الجديد مع موسم العنب آخر الصيف هيك يعني قبل فتوح المدارس.. يعني بيجيك مالح وحلو.. شغلة عجيبة.. ما رح تعرف الطعم لتجربا.
سعيد: أي اذا طلعنا من هون ببقا بجربا.
(يشرد لحظة) كمال: طلعنا... رح نقولها شي يوم بصيغة الماضي؟
سعيد: إي ممكن... والله ما بعرف.. تعا نقولا كتير... طلعنا... طلعنا.
كمال: لا لا... دخيلك وقف دخيلك… والله خوفتني الفكرة... قلبي ما بيتحمل... والله تعا نغير الموضوع.
(فاصل موسيقي)
(صوت عزف عود متقطع مزعج مع ضجة المهجع النهارية المعتادة)
(يبدو قلقًا للغاية) مالك: شفتو شفتو؟ هداك إبراهيم... مزبوط متل ما قالولي مبارح... شبو هاد؟ أكيد جن…
عارف: وأنا كمان ماني متطمن... استنى عليي أنا رح افهملك شنو السالفة.
(صوت خطوات عارف وهو يسير عبر المهجع)
عارف: مرحبا أخوي إبراهيم.
(يتوقف صوت العزف)
إبراهيم: أهلين عارف.
(بين المزاح والجد) عارف: كنا نتناقش أنا والزملاء حول سلامتك العقلية... مشغول بالنا عليك شوي.
(بسخرية) إبراهيم: خير انشالله... ثيابي عليي ليك هه... وما عم نط متل السعادين.
عارف: إي مزبوط يعني... بس حضرتك رابط على إيدك بطاريات… كبار شوي هدول ما؟ مانك حاسسن كبار؟... ناوي تضرب حدا كف بالمقلوب؟ أو تفجر حالك أو تفجرنا شي؟
(يضحك) إبراهيم: والله موغلط بلكي برتاح وبريحكن... ( يغير نبرته للتفهم) لا أخي أنا ماني فدائي ولا بآمن بالموت على إنو حل لهالحبسة... الحقيقة… مسجل بدورات العود وصابيعي كتير يابسين ما عم صير أحسن... وقلي أسعد إنو جماعة الطابة بيربطوا على رجليهن أثقال مشان يطرّو رجليهن قام طلعت معي هالفكرة... كيفك فيا؟
عارف: أيوه... يعني بفهم صرت من جماعة الإزعاج اليومي بشكل رسمي؟
(بفخر وحماس) إبراهيم: إي والله حلوة الشغلة... يعني عم عبي وقتي بشي مفيد...
(مستفزًا) عارف: مفيد إلك حبيبي... نحنا رح نجن من الطنطنة تبع تدريباتكن...
(بمرح) إبراهيم: معكن حق... حاسس فيكن... بس ما فيني اعمللكن شي… نحنا مبسوطين خيرات الله... يعني كيف بدي قلك؟ بالنسبة إلي هادا حلم وعم يتحقق إني عم إتعلم أعزف عود...
عارف: أي ونحنا شكون ذنبنا؟
إبراهيم: ليك... هلق عمنتدرب… بس لما رح نعزفلكن ونؤنس لياليكن الحزينة وصباحاتكن المتألمة رح تشكرونا كتير كتير...
عارف: بشرفك؟! ولوقتها بدنا نتحمل عزفكن الفاشل؟؟ شكون نعمل؟
(ساخرًا وبشيء من العصبية) إبراهيم: شوف... عندك كذا حل... تطلع تتمشى بالممر مع أصحاب البال الطويل مثلاً.. وفيك تحط إيديك على أدنيك طول النهار.. والحل اللي أكتر شي معتمدينو الشباب بتلاقيه بالمهجع الرابع... عند أبو حسن هادا، يا سيدي بالتعاون مع معهدنا الموسيقي، وبتمويلنا كمان عم يصمم مجاناً... مجاناً ها.. سدادات أدن... صناعة محلية.. قطن ألماني خيط فرنسي أوكروك عجم.. دبروا حالكن فيهن لوقتا ونشكرك سلفاً تعاطفك وإخلاصك للفن إنت وزملاءك... وهلق اعذرني عندي جلسة مع أسعد...
(مهتمًا) مالك: شو؟ شو قلك ابراهيم؟
(بانزعاج وسخرية) عارف: هه صابيعو يبسانة الأخ، وعم يطريهن منشان يعزفلنا المزيد والمزيد من اللي سمعانه حضرتك… اتفرج.
مالك: المهم مو ناوي على شي مصيبة...
(بسخرية) عارف: بصراحة... ما بظن في مصيبة أكتر من اللي عم يصير... تنشيز وتنهيق طول اليوم... فوق الموتة عصة القبر… اسمعلي على هالنغم.
(يقوم مالك بتدريب عارف على اللغة الفرنسية) مالك: جو باغل.
عارف: جو باررل..
(منزعجًا) مالك: وليش ما بتقولا متل ماعم قولا... جو باغل.
(يرفع صوته أكثر) عارف: يعني مدري بحس حالي مايع وأهبل... مايعين هدول الفرنسيين يا أخي، ما اعرفش شلون بيلفظوها... بتحرجني... هيي بتنكتب راء ما؟
مالك: لك وليش عم تعيط؟
عارف: لغطي على صوت اللي عم ينهقوا... مو سامع الهبال هاذ جنان يا رجل؟
مالك: بدك منروح عالممر نكمل الدرس.
عارف: الممر كله زحمة كلهن طفشوا عليه.
مالك: طيب عالحمام؟
عارف: جمال وجميل عم يشتغلوا هونيك على الكمان تبع حسان.
مالك: يعني سكرتا من كل محل؟ شكلك مو جاي على بالك تاخد فرنسي اليوم...
(محتدًا بقهر) عارف: بالله بربك؟ لا تتهمني زور... أنا بدي اتعلم... بس هادا تركي من لما بلش دروس الصولفيج وأنا طايش حجري... بتحس كان في شوية هالهدوء بين فترة وفترة.. وبح وطار... ما في براسي محل أركز بشي... لك نسوني إنو نحنا بسجن... وهداك بدر وجماعتو تبعوت المسرح حاجزين نص الحدعش... وجماعة العود وأسعد دورهن بالنص الثاني... وهون صولفيج وكلو كوم ولما بيطلعوا عالسي كوم... ووين منروح بحالنا...؟
(يضحك) مالك: العمى عملولنا نزوح جماعي من مهجعنا وكل يوم هالسيرة... ليك شو... ما لك غير تركي... قوم اتفاهم معو... هوي راس البلا هون...
(بعد لحظة تفكير) عارف: قولتك؟ يلا…
(صوت نهوض عارف وخطواته المستعجلة باتجاه مصدر تدريبات الصوت ومع اقترابه نسمع صوت تركي)
تركي: يا بني آدم... صرلي شهرين عم علمك ياها ما عم تفوت على مخك؟ لاااااا... لاااااا... إذا ما حفظت كل علامة موسيقية وين مستواها وكيف بتنقال كيف بدك تغني آآآ؟
(يقاطعه بحذر) عارف: أخوي أبو محمود لو سمحت… يعني لو بدي عطلك انت والشباب شوي... بدي اطلب منك طلب يستر على عرضك... يعني باسمي وباسم الشباب كلن.
(بامتعاض) تركي: خير انشالله... شكاوى جديدة كمان عالتدريبات؟
عارف: هيك شي... بس طلبي محدد...
تركي: أي قبل ما تقول وتعذب حالك... إنت مفكرني مستمتع بهالاصوات اللي عم علمها صولفيج ليل نهار؟ ولا مستحلي بهدل هادا وهداك؟ عم ينفخولي معلاقي أكتر منكن... أكتر منكن عم ينفخولي معلاقي بس عم اعمل اللي عليي... وهلق اتفضل قول طلبك
عارف: يعني كلنا منعرف إنو صعب تلغوا الدورة... بس في رجاء من الكل... يعني إذا تقدر.. ماتدرب الشباب على علامة ال سي... بس هي بلاها... عال دو ممتاز... عالـ فا يا سيدي ممتاز... بس بلاها ال سي في مجال؟
(ينطلق حالًا صوت أحدهم من الخلف يصيح بطريقة مزعجة تتحول إلى نهيق)
معتقل: سييييييي.
عارف: أيوه… سمعت؟ ها هيي اللي عم احكي عنها.
(فاصل موسيقي)
عارف: لا خيو أنا من جماعة أبو الندى... وإذا قال إنو الحجة بلشت المقطع التاني بالدو بتكون أكيد بلشتو بالدو...
مالك: هئ... ماني معك.. يعني بعرف أبو الندى حافظ كتير للحجة وغيرا وبيفهم مقامات... بس أسعد بتحسو أكاديمي أكتر... شوف كم واحد صار معلم بالعود من تحت إيدو...
عارف: عموماً المي بتكذب الغطاس... هلق بكل مهجع في تلاتة أربعة لاطيين على إذاعة الكويت إلا ما تطلع انت عمري بشي سهرة ووقتها منشوف الحجة بلشانة دو ولا ري...
مالك: بشارطك إنو أسعد رح يفوز.
عارف: إذا ما بيفوز أسعد بتعطيني كتاب تعليم الفرنسية...
(يقوم لغط كثيف بين المعتقلين وأصوات فتح أبواب المهاجع)
(هامساً مستنفرًا) مالك: العمى... قوم قوم نشوف شو صاير…
(هامسًا) عارف: له له... هادا حسان... وين آخدينو شو صاير؟
(هامسًا) إبراهيم: لقطوا الكمان... خطي فكر حالو مخبيه منيح قبل التفتيش... كان مدندلو بخيط على منور الحمام…
عارف: يخرب بيتهن شلون لاقوه؟
إبراهيم: واحد من الحراس عم يطلع عالمنور من السطح شاف الكمان تبع حسان... طبشوه ونزلوا حسان عالمنفردة الله أعلم قديش رح يضل
مالك: له له يا حسان والله قهرتني عليه... وأنا اللي قلت نفدنا هالمرة بالتفنيش وما حدا راحلو شي... إي بيسوى أمن وأبوهن هادا الكمان... ضلوا شهور يشتغلو فيه وبس جهز طلع تقولي جايبينو من متحف ع قد مو رهيب.
إبراهيم: كلنا لحقنا نخبي غراضنا والعواد والنوط والعدة… إلا حسان…
عارف: قلتلكن... بيشتروا حرقة القلب مشترا… شوكان بدهن بهالشغلة من أولها؟!
مالك: اللي بيسمعك هلق ما بيشوفك يوم حفلة تخريج العازفين... رقصت عني وعن ضيعتي من فرحتك.
عارف: إي شكون دخل هي بهي؟ حرقة قلب ولا مو حرقة قلب النزلة عالمنفردة؟ ثالت طابق تحت الأرض وبرد صقعة وأبشع معاملة... كانت حرزانة السالفه؟
إبراهيم: إي حرزانة... وعني وعن الشباب بقلك لو بيرجع الزمن... برجع بعمل عود وبنلقط وبنزل عالمنفردة... ولا بعيش على كيفن ببطن الوحش... وحاج تخويف عارف.. بيكفي الخوف اللي حابسيننا فيه... ماتعبت من حالك؟ ما مليت؟ ماصار وقت تغير هاي سياسة الحيط للحيط وياربي السترة؟
مالك: انبسطتلك بهالبهدلة... خرجك.
(محتداً) عارف: ريحلي حالك انت... وإذا كتير عاجبك المنطق هاد اتفضل انضمللن... بلكي بيفتحولك فرقة دبكة...
(يضحك) مالك: كأني شايفك أول واحد مسجل فيها... وأشطر منك بالدبكة ما في...
(بسخرية أقل حنقًا) عارف: يا سيدي وجكارة فيك بكرا الصبح كاتب إعلان عن فرقة دبكة وإنت تحديداً ماني مفوتك عالفرقة... وجكارة فيك رح سميها فرقة الجكارة.
مالك: بدبك لحالي هون بالقرنة... مين قلك ناطر إذنك أو إذن حدا... وهيي قتلة من الرقيب وما كانت... المهم ما ينزلوني عالمنفردة.
(موسيقى الشارة)