معتقل سابق في الفرع ٢٥١
أنا سامي عبد العزيز دريد. اتوقّفت بأمن الدولة بفرع ٢٥١ بتاريخ ١٥-٠٣-٢٠١١، بعد مظاهرة طلعناها بسوق الحميدية. بـ ١٥-٠٣-٢٠١١ ألقي القبض علينا، كمشونا وأخدونا على مكان نحنا ما منعرفه بالبداية، بعدين أنا عرفت إنو هذا الفرع ٢٥١ أمن الدولة فرع "الخطيب".
نزلونا.. حطونا بالسيارة، طمّشولنا راسنا لتحت، لبّسونا أواعينا وكلبشونا، كنا نحنا بالمكان اللي اعتقلنا فيه كنا خمسة. ثلاث شباب، أنا وعبد العزيز وأحمد الحمود، وبنتين، مروى الغميان ونورا الرفاعي. حشرونا بمطعم بنهاية سوق الحميدية واعتدوا علينا بالضرب بهذا المكان حتى يعني عبد العزيز وأحمد الحمود كانوا مدميّين تمامًا، وفي اتنين كانوا واقفين كل واحد على ظهر واحد، واحد على ظهر عبد العزيز وواحد واقف على ظهر أحمد الحمود. ومروى الغميان عم يضربوها وشالوا حجابها، ونورا الرفاعي كذلك الأمر، وجابوا السيارات واعتقلونا، حطونا بالسيارات ونزلولنا راسنا لتحت ولبسونا الأواعي تبعنا، الكنزة طمّوا فيها راسنا وأخدونا على مكان مجهول نحنا ما منعرف شي عنه. وقفت السيارة على باب فيه درج لتحت، نزلنا بهذا الدرج وطول المسافة اللي عم ننزلها نحنا كانوا عم يضربونا،
وأثناء التفتيش يعني أول ما فتنا طلبوا منا نخلع ملابسنا كلياتها وصاروا يفتشوا الملابس وهني عم يسألونا انتي شو إسمك، شو إسم أبوك، شو إسم أخوك، شو إسم أختك، وأخوك شو بيشتغل وأمك شو كذا.. أسئلة من يعني تفاصيل حياته للإنسان كلها، وعلاقاته وارتباطاته، وهذا الكلام طبعًا مترافق مع كل وسائل الضرب والتعذيب المختلفة، يعني بالكرباج، بالرّفش، بالكف والبوكس والحديد والبلاستيك.. ما عدت أعرف شو اللي عم انضرب فيه. ما عدت أعرف شو عم يصير، يعني جاوبت أو ما جاوبت هيك عم يصير فيك. أثناء الأسئلة كلها الضرب شغّال.
استمر هذا الكلام حوالي ٣ ساعات تقريبًا أو ٤ ساعات، حلقولنا شعراتنا وكل واحد لحاله، طبعًا كنا مطمّشين، مغطايين عيوننا ومكلبشين إيدينا لورا وما عم نشوف شي ولا عم نعرف مين هادا اللي عم يحاكينا. أثناء الفترة هاي كلياتها يبدو إنو نزل شخصية كبيرة من الفرع لإنو كنا نحنا أول مظاهرة بسوريا بتطلع بسوق الحميدية، وأول مظاهرة بسوريا يعني. يبدو إنو في شخصية كبيرة نزلت من الفرع وأنا يعني كنت عم اتسمع بس، واقفين بمكتب على ما يبدو نحنا بالتحقيق، الشخصية هاي الكبيرة قلو "شو صار؟". قلو "سيدي هدول هني اللي طلعوا بالمظاهرة ونحنا ألقينا القبض عليهم ولسّا ما باشرنا التحقيق". قلو فلان.. ما عاد اتذكر نسيت تمامًا اسم المحقق اللي كلفه وقتها.. قلو بإنو هو يباشر التحقيق. بس هو كان نفسه على ما أعتقد اللي موجود ضمن التحقيق لأن هو نفسه اللي استمر معنا بالتحقيق.. حتى نهاية.. حتى نصّبونا بالآخر يعني بالفرع هاد. وبعد الجولة هاي اللي استمرت ٣ - ٤ ساعات، زتوا كل واحد منا بمنفردة، أنا يعني اللي بعرفه إنو أنا فتت على منفردة. البقايا ما بعرف شو صار فيهم، بس بعدين عرفت إنو هني كانوا كمان بمنفردات. واستمر التحقيق معنا كل يوم، كل يوم، كل يوم، يعني في جولتين تحقيق، جولة صباحية تبدأ مع بداية الدوام الرسمي، وجولة مسائية تبدأ بعد هيك المسا يعني، جولة مسائية هاي بتكون الضباط ريّحوا والعساكر ارتاحوا كمان بعد فترة غدا وكذا، وبعد حتى يعني تستمر هيك مفتوحة هاي يعني حسب كل واحد و"جرمه" والتهم الملفّقة له، يعني والتحقيقات وسير التحقيقات معه لحتى يرجع.
كنا كل يوم، أنا شخصيًا كنت يوميًا، يعني إجي يا الصبح يا المسا، يطلعوني، يطمّشوني، يكلبشوا إيديي وياخدوني بكوريدوات وابواب وأنا إمشي مسافة طويلة، أنا ماني عرفان وين ماشي يعني بس أنا ماشي عم امشي، مسافة طويلة يعني. بعدين أحيانًا يوصلوني إلى مكان ويقولولي وقف هون لا بقا تتحرك، هذا المكان أنا قريب من غرفة التحقيق، أنا عم اسمع أصوات المعتقلين اللي عم يتعذبوا وصريخهم وولاويلن وبكاؤن، كان هذا الأسلوب تعذيب نفسي شديد جدًا يعني، أشد من الضرب والتعذيب اللي كنا نتعرضله. هذا الأسلوب بعد ساعتين تلاتة يفوتوني لعند المحقق يسألني أسئلة بدو ياني هو جاوب إجابات على كيفه، يعني أنا يسألني مين اللي دفعكم إنكم تطلعوا بالمظاهرة. أنا قلو ما حدا دفعنا. يعني أنا فعلًا ما حدا دفعنا لأنو احنا طلعنا لأجل بلدنا لحتى يعني فكرتنا إنو نحنا بلدنا ومستقبل بلدنا ومستقبلنا نحنا يعني. بدنا حرية وعدالة يعني. هذا بكل بساطة هو ما عم يآمن إنو ممكن الشعب يعمل هيك يعني، مو أبدًا.. مو ممكن إنو يفكر إنو يرفع راسه من تحت البوط العسكري اللي هو يعني متعود إنو حاطو على رؤوس الناس أو هيك مفكر أو هيك معتقد. ما كان يصدّق. بدو يانا نقول، بدو يانا يعني نعترف بإنو نحنا تابعين لجهات وفي ناس عم تحرّكنا من برا، وفي ناس عم تدفعلنا. يعني سواءً قلناه أو ما قلناه بالآخر عم يكتب ضبط بوقّع عليه أنا وببصم عليه أنا وماني عم اقراه حتى ولا بعرف شو مضمونه يعني.. أبدًا.
الضرب ووسائل الضرب يعني.. وسائل التعذيب طالما هو هيك منهجه يعني فإنت بتتوقع إنو يعني يلجأ لأي وسيلة لإنتزاع الكلام منك. يعني هيك مؤمن هو، مؤمن إنو أنا مدفوع فبدّو ياني اعترف وأنا كذاب طالما أنا ما حدا دفعني، كذاب. مستحيل إني كون لحالي طلعت، لازم يكون في حدا دفعني، فبيلجأ لوسائل التعذيب.. يعني شو ما بيخطر عبالك.. بيحرقني ممكن بالسيجارة. أنا ما تعرضت لإنو انحرق بالسيجارة لكن أنا كان معي سجناء، شفت كل وسائل التعذيب مختلفة لا حصر لها يعني. اللي كان يلجأله المحققين لانتزاع الاعترافات من المعتقلين. يعني الكهربا، ربط العضو الذكري بخيط لحتى يحصر البول، يعني تعذيب نفسي، تعذيب جسدي، يجيبوا مثلًا أخته للمعتقل ويسمعوه صوتها هي وعم تستنجد فيه، كل أنواع الضغوط اللي ممكن تخطر على بال إنسان أو ما تخطر على بال إنسان لحتى ينتزعوا من المعتقل أي كلام هني بدن ياه. ضلينا بهذا المكان ١١ يوم، هذا المكان بعدين أنا عرفت إنو هو فرع "الخطيب" ٢٥١ أمن دولة، بعدين عرفت كمان إنو كان رئيس فرع التحقيق أنور رسلان. رئيس فرع التحقيق اللي كان بهذا الفرع كان أنور رسلان. ويبدو إنو الشخصية اللي إجت وأنا سمعتها يمكن كان هو أنور رسلان، كان نائب رئيس الفرع هو مستلم فرع التحقيق بالفرع نفسه.
وهلق أنا بعد ما يعني عرفت إنو تم إلقاء القبض على أنور رسلان بألمانيا وعم يتعرّض للمحاكمة، رجعلي الأمل إنو ممكن اللي ارتكبوا جرائم وفظائع بحق الشعب السوري يومًا ما ينالوا جزاء ما ارتكبت يداهم. يعني بصراحة رجعلي الأمل. كنت بتمنى إنو تكون هاي المحاكمة بسوريا، على يد الشعب السوري صاحب المأساة اللي تعرضلها، هو اللي عاشها بدمه وروحه وحياته وبكل تفاصيله، كنت بتمنى إنو هو نفسه الشعب هو اللي يحاكم هؤلاء الطغاة الجناة اللي ارتكبوا بحقه كل أنواع الفظائع، اللي ما ما ممكن تخطر على بال إنسان سويّ عاقل فيه ذرة من الإنسانية والرحمة أو العقل أو التفكير أو الإيمان أو أي شيء من الأخلاق يعني ربما.. لكن مو معناته هذا الشي إنو أنا ماني فرحان اليوم إنو عم يتعرض لمحاكمة ولو بألمانيا. بالآخر الإنسانية هي شي واحد سواءً بسوريا أو بألمانيا أو بأي مكان آخر. يعني أمنيتي إنو كان على يد الشعب السوري لأنه هو صاحب الاضطهاد ولأنو بكون معناه إنو الثورة حققت أهدافها وانتصرت. هذا أنا كل شي عندي فيما يخص أنور رسلان، وتفاصيل التعذيب مانا مهمة بقدر إمتهان الإنسان هو المهم. ما في إعتبار إطلاقًا لمعنى "بني آدم" أو إنسان عند أجهزة الأمن السورية والنظام السوري كله بشكل عام. هذا المهم بالنسبة لما يخص الأجهزة الأمنية والنظام السوري تحديدًا وثورتنا عليه.
انشالله كون أنا أوفيت الأمر حقه.