SHARE

تنظيم مُنتَدى المَشرِقِ والمَغرِبِ للشُّؤونِ السِّجنِيَّة ـ أمم للتوثيق والأبحاث
السجون وأنماط الاحتجاز في العراق
حديث مع ڤيرا ميرونوڤا
عبر تطبيق زوم
١٧ آذار ٢٠٢١

 استـضافَ «مُنْتَدى المَشْرِقِ والمَغْرِبِ للشُّؤونِ السِّجْنِيَّة» د. ڤيرا ميرونوڤا، الزميلة الزائرة بجامعة هارفارد، عبر زووم في ١٧ آذار/مارس ٢٠٢١. وكان هذا اللِّـقاءُ أولَ حلقةٍ في سلسلةِ اللقاءات التي يـنوي المنتدى تَـنظيمَها دوريًّا خلال الأشهر المُقـبلة.

فيما يَلي، موجَـزٌ لمحاضرة د. ميرونوڤا والذي اخـتُـتِمَ ببعض النقاط الرئيسية التي أُثيـرَتْ في نهاية المحاضرة، والتي سـيُعنى بـمناقشـتها في المنـتدى لاحقًا.

تحت عنوان «‬السجون وأنماط الاحتـجاز في العراق‮»، تطرَّقـتْ محاضرة د. ميرونوڤا إلى موضوعاتٍ ونُـهوجٍ غالبًا ما يتمُّ تجاهلها في الكتابات الأكاديمية وغير الأكاديمية. حيث استهلَّتْ حديـثَها بالقول صراحةً أنَّ نهجَها يتمثل في استكشاف خبايا نظام السجون استـنادًا إلى قصصِ الناس، وليس فقط من خلال تحليل السِّجن كأداةٍ تستخدمُها السلطات الحاكمة. وأنَّ «انتـقاد الدولة والقمع الذي تُمارسه أمرٌ أساسي، لكننا بحاجةٍ أيضًا إلى التفكير في كيفية استـفادة الناس من نظام السجون خلال حياتهم اليومية‮».

الْتحـقتْ د. ميرونوڤا بالقوات الخاصَّة العراقية لمدة تسعة أشهرٍ خلال معركة الموصل. يعتـمد عملُها على النَّشاط المَيدانيِّ الإثـنوغرافي والمُقابلات التي أُجرِيَتْ خلال هذه الفتـرة، مع التركيز على المسؤولين في القوات العراقية وأعضاء داعش المُشتـبه بهم في السجون العراقية. كما مكَّـنها عملُها المَيدانيُّ هناك من التواصل مع القضاة والمحامين الذين كانوا يَضعون مقتـرحاتٍ تمسُّ تغيِـيراتٍ تطرأ على نظام السجون، الأمر الذي مَنحها الفرصةَ لاستكشاف وفَضحِ حكاياتٍ غير مَروِيَّة عن ثقافة السِّجن في العراق.

تتعمَّق د. ميرونوڤا في القصص الشخصية للسجناء من خلال التعرف على قصص حياتهم وكيف انتـهى بهم المَطاف في السجن. كما تطـرَّقتْ في عملها إلى التعديلات اللازمة في دستور العراق الحالي، لا سِيَّما فيما يتعلق بالنَّمط الحاليِّ للمُحاكمات «الكاذبة‮» لأعضاء داعش المُشتـبه بهم وعائلاتهم. على سبيل المثال، أشارتْ إلى أنه وبعد هزيمة داعش، انتـهزَ العديدُ من العراقيِّـين الجوَّ السائد في البلاد وقانونَ مكافحة الإرهاب لإرسال آخرين إلى السِّجن. إشارةً إلى لجوء بعض الأفراد لاتِّهام آخرين بالانتماء إلى داعش كوسيلةٍ لتسوية نزاعاتٍ قانونية بينهم، كـاتِّهام امرأةٍ لزوجها نظرًا لعدم قدرتها على الطلاق منه، واتهام شخصٍ لأحد الأفراد الذي يتـنازع معه على قطعةِ أرض.

كما ركَّزتْ د. ميرونوڤا على المسألة البارزة المُتعلقة بمُعاملة النساء والأطفال الذين كانوا مُنتـسِبين إلى داعش. فـغالبًا ما تُصوِّر وسائلُ الإعلام الغربية الأعضاءَ النساء في داعش كضحايا أو كأبـرياء، بينما تُشير د. ميرونوفا إلى ضرورة مُحاكمة الأعضاء النساء في داعش، خاصَّةً اللواتي سافَرنَ من أوروبا أو دولٍ أجنبية أخرى للالتحاق بالتنظيم، مُنـضَمّاتٍ إلى التنظيم بإرادتهن الحرة وداعماتٍ أيديولوجياتها وهجَماتها ضد المدنيِّـين الأبرياء من منطلق قناعاتهن الشخصية. أمَّا بالنسبة للأطفال الذين انخرَطوا في التنظيم، فقد تحدَّثتْ د. ميرونوڤا عن أهمية إعادة الشباب الأجانب إلى أوطانهم، فيما دعتْ إلى زيادة الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال العراقيِّـين الذين انخرَطوا في داعش عبر عائلاتهم. واختتـمَتْ بعَرض حكاياتٍ طريفة تُسلِّط الضوءَ على ضرورة تحيِيد الأطفال عنِ اللَّوم والمسؤولية المُلقاة على أهلهم. من بين هذه القصص، نذكر قصةَ طفلٍ سُجِنَ لأنه شوهِد يغسل سيارةَ والده المنتـسِب إلى داعش! وهو ما يشـهد للمسألة الخطيرة والحسَّاسة أعلاه، حيث الادِّعاء بأنَّ فردًا من الناس مُنـتـمٍ لداعش، بناءً على كَيـدِيات ونزاعات.

على خلفية اللقاء مع د. ميرونوڤا، أُثيـرَتْ بعضُ النقاط الرئيسية في فـقرة الأسئلة والأجوبة. دارت إحدى هذه النِّـقاط حول دور الدولة العراقية والقوى السياسية/المُسلَّحة الأخرى في استِمرارية هذا الاستـغلال للنظام القانوني، في أعقاب مرحلة داعش. وأشار المشاركون في اللقاء إلى كيفية حَشد الإعلام العراقي للناس وتشجيعهم على الشهادة ضدَّ بعضهم بعضًا عبر الادِّعاء بـتورطهم مع داعش. ومن القضايا الأخرى التي أُثيـرت، هي كيفية استخدام الميليشيات العراقية لنظام السجون لـتَحقيق مكاسبَ مالية، وتحديدًا من خلال احتجاز الأفراد من أجل ابتِـزاز الرَّشاوى مقابل إطلاق سراحهم. وقد اعتُبـرَتِ الديناميكيات الاقتصادية في نطاقها الأوسع وتأثيـرات قطاع السجون في العراق جاهزةً لـمزيدٍ من الأبحاث.

دار نقاشٌ آخر في مرحلة الأسئلة والأجوبة، حول الأطُر والمصادر المستخدمة لدَعم أبحاث السجون في الشــرق الأوسط. وتمَّ التأكيد على أهمية استخدام المؤلَّفات المتوفرة باللغة العربية التي تـتـتبَّع تاريخَ أنظمة السجون في المنطقة، وعلى مستوى خاصٍّ بكُلِّ بلد. على سبيل المثال، يجب أن يأخذَ التحليلُ حول العراق في الحسبان الدورَ الأساسيَّ الذي لعبه النظام القَمعـيُّ لـصدام حسين على مدى عقودٍ طويلة، فضلًا عن دور الغزو الأمريكي في العام ٢٠٠٣ وما تلاه من فضيحةِ سجن أبو غريب البارزة. كما تمَّ تسليط الضوء على أنَّ الديناميكيات الداخلية للبلاد يمكن بل ينبغي رَبطُها بالجهات الفاعلة والتداخلات الإقليمية والدولية الأخرى، مثل إيران وسوريا والولايات المتحدة وروسيا.

في العملِ المَيدانيِّ، تُعتبر مسألة النظر إلى أنظمة السجون في الشـرق الأوسط من أبرز المسائل، خصوصًا للمَعنيِّـين بأنظمة السجون في المنطقة؛ كون هذه المسألة (عملية النظر) لها تأثيـرٌ في بعض الأحيان على نتائج البحث وتلخيصاته.  لذا، فلا بُدَّ من التطرق إلى هذه المسألة في موضوع تحليل السجون في الشـرق الأوسط من الآن فصاعدًا، نظرًا لـتداعياتها على البحث واستـنـتاجاته.

أخيرًا، فقد قدَّم لقاءُ د. ميرونوڤا نظرةً ثاقبة على عملها المَيدانيِّ وأبحاثها، ووفَّر أدلةً وموضوعات تصلحُ لمناقشاتٍ مُعمَّقة. وكشف الحوار الذي أعقبَ اللقاء مجالاتٍ مهمة لمزيدٍ من البحث حول الطرق الدقيقة والمترابطة التي يحتاج إليها تحليل السجون في الشـرق الأوسط، وفي العراق تحديدًا، للكشف عن تجارب المنطقة والبلاد أثناء الحرب على داعش وبعدها. يُعَـدُّ بحث د. ميرونوڤا خطوةً مهمة في بدء فهم تأثير داعش على ديناميكيات السجون في المنطقة، وقد مكَّن لقاؤها منـتدى المشـرق والمغرب للشؤون السجنية من البدء في البحث في المواضيع التي ستستمر بالازدياد في لقاءاتِ واجتماعاتِ المنـتدى القادمة.


الدكتورة ڤيرا ميرونوڤا هي زميلةٌ زائـرة في جامعة هارفارد. وهي مؤلفة كتاب «من مُقاتِـلـي الحرية إلى جهاديِّين: الموارد البشـرية للجماعات المسلحة غير الحكومية» الصادر عن مطبعة جامعة أكسفورد. أجرَتْ ڤيرا عملًا ميدانيًّا في الكثير من مناطق النِّـزاع النَّشِطَة ومناطق ما بعد النِّـزاع حول العالم، وانضمَّتْ إلى القوات الخاصَّة العراقية ما بين عامي ٢٠١٦ ـ ٢٠١٧، خلال عملية الموصل. تعمل حاليا على تأليف كتابٍ حول مُقاضاة عناصر داعش في العراق وسوريا، استـنادًا لما خبَـرَته من العمل المَيدانيِّ في المحاكم والسجون هناك. برزَتْ إنجازاتها الأكاديمية في العديد من المنشورات، بما في ذلك نيويورك تايمز وفورين أفيرز وفورين بوليسي وبي بي سي وبوسطن جلوب. عملتْ أيضًا كـمُعلقةٍ لعددٍ من وسائل الإعلام الرئيسية، بما في ذلك نيويورك تايمز ووكالة أسوشيتد برس وواشنطن بوست وفايس نيوز.


العراق


SHARE