SHARE

تنظيم مُنتَدى المَشرِقِ والمَغرِبِ للشُّؤونِ السِّجنِيَّة ـ أمم للتوثيق والأبحاث
أدب السجون وتساؤلات عن الإبداع والأجناس الأدبيّة
حديث مع د/شريعة طالقاني
عبر تطبيق زوم
٢٩ نيسان ٢٠٢١

ألقتْ د. شريعة طالقاني في ٢٩ نيسان/أبريل ٢٠٢١ محاضرةً عبر زووم، تحت عنوان «أدب السُّجون وتساؤلات عن الإبداع والأجـناس الأدبـية»، في الحلقة الثانية من سلسلةِ لقاءاتِ «مُنْتَدى المَشْرِقِ والمَغْرِبِ للشُّؤونِ السِّجْنِيَّة». شكَّـلتْ هذه المحاضرةُ منبـرًا للتطرق إلى مصطلح «أدب السجون» بشكلٍ شامل، فـتمَّ عرض ميزاتِ وتحدياتِ تصنيف الأجناس الأدبية، والاختلافات حول استخدامها إقليـميًّا، والتطور التاريخي، إلى جانب تداعيات مزايا التصنيف على المحتوى المُدرَج تحت المصطلح.

«إذا كتبتُ قصةً قصيرة لا علاقةَ لها بالسِّجن أثناء تواجُدي فيه، فهل تندرج في إطار أدب السجون بسبب مكان الكتابة؟» يُصوِّر هذا السؤال المَطروح من أحد الحضور الاعتباراتِ المعرفيةَ التي أثارتها محاضرةُ د. طالقاني، والتي تطرَّقتْ إلى الدور الهامِّ الذي لعبَه معنى «أدب السجون» في ترجمة انتـهاكاتِ وتجاوزاتِ السجون في المشرق والمغرب والتحقيق فيها. ومع ذلك، فقد أشارتْ إلى أنَّ بعض العلماء قد وجَدوا أنَّ المصطلحَ قد ساهم في التركيز على تسويق السجون ومُمارساتها القمـعِية، الأمر الذي يُشـرِّع تزايدَ أشكال السجون في نهاية المطاف. حيث تُشكِّل الشعبية التي حصدَتها مؤخرًا البرامجُ التلفزيونية في السجن، مؤشرًا على هذا التَّـسليع، لـمُجمَّع السجون الصناعي في الولايات المتحدة مثلًا.

يكمن أحدُ العناصر الرائعة في حديث الدكتور طالـقاني في تداخل عملها حول أدب السجون مع الأجناس الأدبية في الولايات المتحدة وفي دول الشرق الأوسط. على سبيل المثال، أشارتْ إلى أنَّ النـقدَ أعلاه يقع ضِمن السياق الأمريكي لأدب السجون؛ إذ يُركِّز الكثير من الأكاديميِّين في أدب السجون في الولايات المتحدة على مجمع السجون الصناعي المَوجود هناك وعلاقـته بالعُبودية والعمل غير المأجور، فضلًا عنِ الاستهداف العُنصـري والاجتماعي والاقتصادي لبعض السُّكان في الولايات المتحدة. أمَّا في الشرق الأوسط، فالوضع مُعاكس، إذْ تُركِّز الأجناس الأدبية للسجون نسبيًّا على الإبداعات الأدبية وتجارب السجناء السياسيِّين أو سجناء الرَّأي؛ في حين أنَّ هذا التركيـز ليس سائدًا في أدب السجون الأمريكية. تُعتبـر الاختلافات في بيئات السجون من خلال هذَين السياقَين من الأمور الحَيوِيَّة التي يجب مراعاتها عند اعتبار «أدب السجون» من الأجناس الأدبية العالمية، على الرغم من الروابط بين السجون في الغرب والشرق الأوسط، كجزءٍ من اتجاهاتٍ عالمية مُماثِـلة للسجن.

ظهر أدبُ السجون في منطقة الشـرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، في خِضَمِّ المراحل الانتـقالية السياسية والاجتماعية والثقافية التي أعقبَتْ فترة ما بعد الاستعمار في المنطقة. أشارتِ الدكتور طالقاني إلى اختلاف رؤية الكُتاب العرب للأجناس الأدبية. على سبيل المثال، يُعرِّفه بعضُ العلماء بأنه أيُّ نصٍّ خيالـيٍّ وغير خيالـيٍّ مكتوبٍ عن السجون. يربطُ آخرون أدبَ السجون بنصوصِ التجارب المباشرة للأشخاص الذين سُجِنوا بالفعل، بينما يرفض آخرون فكرةَ إيجادِ تعريفٍ شامل يُطبَّق على جميع النصوص ذاتِ الصلة.

وبعيدًا عن التعريفات، لا ينبغي تحيِيدُ أدب السجون عن فضح لقطاتٍ ولمحاتٍ حول تدهور أوضاع السجون في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. يُشير الإبداع الأدبي حول السجون إلى مِحورية هذه الأجناس الأدبية في عكس الأخبار والقصص التي لا تُسمَع عادةً في وسائل الإعلام الرئيسية. في الواقع، إنها أخبارٌ وقصص يتم قَمعها وإسكاتها وإخفاؤها. فـيجب أن يكونَ البحث عن معنى لأدب السجون كجنسٍ أدبـيٍّ عمليةً مستمرةً تتـنقَّلُ بين السجون، كمواقعَ لمُعاينة المشاهد الثقافية والأدبية النَّقدية. 

يكتسب أدبُ السجون الناتجُ عن التجارب السِّجنية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أهميةً خاصَّة؛ لأنه يعرض «ومضاتٍ من النور في الظلام»، وفقًا للدكتور طالقاني. في الواقع، إنَّ غيابَ الروايات البديلة غير الحكومية وعمليات الأرشَفة التي تُحلِّل وضعَ السجون في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلى جانب قَمع المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان ــ يمنح الرواياتِ والأطروحات والشِّعـر دورًا حاسِمًا في وصف أساليبِ وجوانبِ الاحتجاز في هذه الدول.

في هذا السِّياق، يمكن تعريف أدب السجون في الشـرق الأوسط، بأنه انعكاسٌ وحصيلةٌ ثانوية لأزمةِ الديمقراطية في الدول العربية. ونظرًا لأنَّ أدب السجون غالبًا ما ظهرَ في بيئةٍ قَمعية استبدادية، فهو يستحقُّ في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التقديرَ والدعم من النشطاء والمُدافعين عن حقوق الإنسان إلى جانب الأكاديميِّين. ومع ذلك، فنحن بحاجة إلى تصنيفٍ إضافي لما يجب وما لا يجب تَضمينه في أدب السجون: يكمن الهدفُ في عدم استبعاد أو إعطاءِ الأولوية لبعض الكُتاب على آخرين اعتباطِيًّا، وعدم الوقوع في فخِّ النصوص «المختارة» بغرض بيعها للجمهور. 

والأهمُّ من ذلك، أنْ تكونَ الكتاباتُ التي تَعرِضُ وصفًا جوهريًّا لظروف السِّجن في المنطقة ـ مَنطـقِيَّةً وذاتَ معنى. ومع ذلك، يعتبـر أدبُ السجون من الأجناس الأدبية الغامِضة، ومن المحتمل أنْ تُخالِفَ النصوصُ المعاني السائدةَ لهذا الجنس الأدبي. على سبيل المثال، ذكر أحد الحضور أنَّ أدبَ السجون في تونس يتميَّـز بطابعٍ كوميدي، وبالتالي تداخلتْ مجموعة واسعة من الأشكال والنغمات وكُسرَتْ بعض الأنماط المعهودة لأدب السجون. إنَّ هذه التناقضات ليست غريبةً في منطقةٍ تتعدَّد فيها أنماطُ الحبس وتتعارض. 

إذا كانت السجونُ مُكوّناتٍ متكاملة وانعكاساتٍ مادية ومَرئية لسُلطة الدول القومية الحديثة، فإنَّ بعضَ السجون تتخطَّى ما هو مَرئي، أيْ مؤسسات الأنظمة الحاكمة. السجونُ السرية والاستجوابات غير المُوثَّـقة والاعتقال والقتل خارج نطاق القضاء وغرف التعذيب تحت الأرض ـ هي بعض الأمثلة لما وراء المفاهيم المتداولة حول السجن. لذلك، يمكن تعريف أدبِ السجون كجنسٍ أدبـيٍّ يأخذ في الاعتبار أطياف الاعتقال الصامت وغير المُسجَّل ويتصارع معها، مع الحرص على عدم المساهمة في تطبيع وتسويق الانتهاكات الجسدية والنفسية. 

يتطلَّع منـتدى المشرق والمغرب للشؤون السجنية إلى مواصَلة هذه المحادثات والنقاشات، حول الأجناس الأدبية الفردية للسجون، في المُحادثات المستقـبلية.


الدكتور شريعة طالـقاني هي أستاذٌ مساعد ومدير دراسات الشرق الأوسط في كوينـز كوليدج، جامعة مدينة نيويورك. ترتكز أبحاثها على تقاطعاتِ الاعتراض والإبداع والإنتاج الثـقافي في الشرق الأوسط. نشرتْ مقالاتٍ ومراجعات وترجَمات في: المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط ـ مجلة الأدب العربي ـ مجلة الشرق الأوسط للثقافة والاتصال ـ تـقرير الشرق الأوسط ـ مجلة كلمات بلا حدود. وتعمل حاليا كـمُحرِّرةٍ مشاركة في CLC Web الأدب المقارن والثـقافة. وهي مُحرِّرة مشاركة (مع أليكسا فيرات) في كتاب «أجيال الاعتراض: المثـقفون والإنتاج الثقافي والحالة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا» (مطبعة جامعة سيراكيوز، ٢٠٢٠). ومؤلفة كتاب «قراءات في أدب السجون السورية: شاعرِية حقوق الإنسان» (سيَصدر قريبًا عن مطبعة جامعة سيراكيوز، حزيران/يونيو ٢٠٢١). وهي أيضًا مُحرِّرةٌ مشاركة (مع أمييل ألكالاي) ومترجمة مشاركة (مع New York Translation Collective) في كتاب فرج بيرقدار «حمامة مُطـلقة الجناحَين» (سيَصدر قريبًا عن مطبعة UpSet Press، صيف ٢٠٢١).


فرج بيرقدار
أدب السجون
الولايات المتحدة الأمريكية
سجون سرية
سجناء الرأي
شمال أفريقيا
شريعة الطالقاني


SHARE