SHARE
ناج من المقصلة


تعذيب
سجن تدمر العسكري

نبذة عن الكتاب

إنها حكايةُ الآلاف ممّن قضَوا في ذلك السجن الرهيب، وضاعت حكاياتُهم، كما ضاعت حقوقُهم، وضاعوا عن قلوبٍ ما زالت إلى هذه الساعة تنتظرهم..
هي حكايةُ الآلاف من الناجين، وأنا واحدٌ منهم.. ولعلَّ الكثير منهم لم ينْجُ بعد، وإنْ خرج بجسده من السجن حياً، لتكون زنزانته معه وقد صُلبتْ روحُه فيها، وقد تصوَّحت آمالهم بالانفكاك عنها..

حتى لا يُقتل القتيلُ مرتين، مرةً حين ذبحَتْه مِدْيةُ الجلاد، وأخرى حين نذبحُه بمبضعِ النسيان، حريٌّ بنا أن نشيدَ لكلِّ ضحيةٍ منهم نصبَ تقديرٍ وإجلالٍ في نفوسنا، كي يبقوا أحياء بيننا، تحدّثُنا حكاياتُهم دائماً، أنهم لم يستوفوا حظَّهم من الإنصاف بعد، وأنّ العدالة لم تأخذ مجراها كما نتمنّى، ولا سبيلَ إلى سلامٍ دون ذلك.

 

في إحدى العقوبات الليلية، حيث تقدم المساعد الذي كنا نناديه بأبي جهل، وفتح النافذة الصغيرة في باب المهجع، وأمر رئيس المهجع أن نقف عراةً بالسراويل ويسكب علينا الماء البارد المتوفر لدينا، وأن نقف على ساقٍ واحدة، ونحن مبتعدون مسافة مترٍ عن الحائط، ووجوهنا نحوه وقد رفعنا الأيدي فوق رؤوسنا، وأن نلتزمَ هذا الأمر دونَ أدنى حركة إلى أن يأتي الإيعاز بالانصراف. 
بعد ساعات، وقد خيّمَ الظلام، بقيَ الجميع منضبطين بالأوامر الصادرة، فلا يوجد بيننا أحمقٌ يمكن أن يجازف بحياته، إن هو خالفَ أو تخلّف عن تنفيذها، بدأ البعض يترنّح ويستند إلى مَن هم بجانبه، لكن لم يعصِ أحدٌ الأوامر. 
مال [فاضل معقّدة] إلى جانبي قليلاً وهمسَ: "هذه هي التقوى". وكان يعني أن تنضبطَ بالأوامر وإن غابَ الآمر تجنّباً لغضبه.” 
― محمد برّو,ناج من المقصلة